تتميز منطقة جازان بالكثير من العادات والتقاليد الشعبية القديمة في كافة المجالات ومنها مجال الأكلات الشعبية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمناسبات مختلفة وعديدة لا تظهر الاجتهاد وفي وقتها المحدد ومن تلك الوجبات الشعبية اللذيذة "المحشوش" وهي اكلة ترتبط ارتباطاً شديداً في المواسم الكبيرة.
ومع اطلالة بعض المناسبات نجد الجميع من ربات البيوت وحتى الرجال يسارعون بحثاً عن أكلة المحشوش التي تبرع كثير من ربات البيوت وخصوصاً كبيرات السن من الجدات، في صنعها واتقانها.
ومن هذا المنطلق التقت الخزامى بأحد كبار السن في منطقة جازان من عشاق الماضي القريب ومحبي الأكلات الشعبية ويحمل على كتفيه خبرة طويلة في كل ما له علاقة بالماضي الجميل من عادات وتقاليد معظمها قد اندثرت ولكن مازال البعض من كبار السن يحافظ عليها ويتمسك بها ويصر على الاحتفاظ بها حتى نهاية حياته.
ويحدثنا العم عبدالرحمن العطار 70عاماً عن الأكلات الشعبية المرتبطة بهذا الموسم في منطقة جازان والتي اندثرت الكثير منها فيقول: إن منطقة جازان منطقة زاخرة بالكثير من الموروثات الشعبية وفي كافة المجالات ومنها مجال الأكلات الشعبية اللذيذة مثل المحشوش، والمشرشر وهما وجبتان كبيرتان ولذيذتان وتتكونان من اللحوم والشحوم وأنواع الدسم التي لم تعد تناسب كبار السن في هذا الزمن لأنها مشبعة بالدهون.
كما يقول الأطباء وترفع الكولسترول في الدم ورغم ذلك مازلت اشرف بنفسي على عمل وطهو وجبة المحشوش بل وآكل منها ولكن باعتدال وهي وجبة ثقيلة جداً ودسمة تصلح للشباب وصغار السن في هذه الأيام.
وعن طريقة عمل المحشوش يقول العم عبدالرحمن العطار ان اكلة المحشوش الشعبية لا يصلح عملها الا في هذه الأيام الطيبة وفي الشهر العظيم شهر ذي الحجة لأنها تعمل من لحوم الأضاحي السمينة وهي وجبة تحتاج لوقت كبير وجهد عظيم في طهوها وتتفنن النساء كبيرات السن في عملها اما بنات اليوم فلا يعرفن طريقة عمل المحشوش ويتفنن فقط في عمل الكيك والحلويات والكبسة وبعض المأكولات والوجبات السريعة التي لا طعم لا ولا رائحة.
وبعد ذبح الذبيحة تقوم النساء بمساعدة رجال البيت بتقطيع اللحم قطعا صغيرة وكذا تقطيع الشحم من "بسلة الكبش" وفي المواضيع التي يكثر فيها الشحوم في الذبيحة ثم يجمع اللحم والشحم في قدر معدني كبير ويتم وضع الإناء المعدني على الأثافي وهي عبارة عن حجرين كبيرين يوضع في وسطهما القدر المعدني بعد اشتعال النيران بين الحجرين بواسطة حطب شجرة السدر أو الشوكة كما يطلق عليها البعض ثم تشتعل النار تحت القدر بشكل واسع وكبير حتى يذوب الشحم في الإناء مع اللحم ويتم مزجه بالبهارات مثل الهيل والحوائج والفلفل الأسود "الكمون" والقرفة والهرد "الكركم" وغيرها من أنواع البهارات الشعبية التي تضفي على وجبة المحشوش رائحة نفاذة جميلة ونكهة رائعة ويستمر عمل المحشوش عدة ساعات تبدأ من صباح يوم العيد حتى وقت متأخر من المساء وبعض الأسر تفضل القيام بتجهيز اكلة المحشوش بعد العيد أي بعد جمع اللحوم والشحوم التي يحصلون عليها من الجيران والأقارب والاصدقاء هذا بالنسبة للذين لا يستطيعون الاضحية ولا يملكون قيمتها في ذلك الوقت من الزمن اي منذ اكثر من نصف قرن تقريباً.
ومن مميزات اكلة المحشوش انها تحفظ اللحم لمدة طويلة قد تصل الى عام كامل ويحمي اللحوم من الفساد والتعفن وتظل الأسرة تأكل وجبة المحشوش فترة طويلة من الزمن لأنها وجبة دسمة وثقيلة وغنية بالبروتين الحيواني وذلك لحاجة الناس في ذلك الوقت ولضيق ذات اليد ولعدم وجود ثلاجات وأوعية تحظ اللحوم من الفساد والتعفن فالإنسان ابن بيئته والإنسان الجازاني منذ القديم يحاول بذل الجهد ليتأقلم مع اوضاعه وظروفه ومعيشته بما يتناسب مع امكانياته "فالحاجة أم الاختراع" كما يقولون لذا فإن وجبة المحشوش اللذيذة كانت الطريقة الوحيدة مع وجبة "المشرشر" لحفظ اللحوم لفترة طويلة من الزمن و مازال كبار السن من الرجال والنساء في البوادي والارياف والقرى يحافظون على عمل اكلة "المحشوش" ويقبلون عليها