الطيب والتطيب
ذكر ماجاء في الطيب والتطيب . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أطيب الطيب المسك . وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كأني أنظر وإلى بيض (لمع) في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم . وعن سهل بن سعد يرفعه : إن في الجنة لمرعى من مسك مثل مراعي دوابكم هذه . وعن أنس رضي الله عنه قال : دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنام عندنا فعرق , فجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها فاستيقظ وقال : يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين ؟ فقالت : هذا عرقك نجعله في طيبنا وهو من أطيب الطيب . وعن عمر رضي الله عنه قال : لو كنت تاجرا ما اخترت على العطر , إن فاتني ربحه لم يفتني ريحه . وناول المتوكل فتى فأرة المسك فقال
لئن كان هذا طيبنا وهو طيب *** لقد طيبته من يديك الأنامل
وأهدى عبدالله بن جعفر لمعاوية قارورة من الغالية (طيب معروف) , فسأله : كم أنفق عليها ؟ فذكر مالا جزيلا , فقال : هذه غالية فسميت بذلك , وشمها مالك بن سليمان بن خارجة من أخته هند بنت أسماء , فقال : علميني كيف تصنعين طيبك ؟ فقالت : لا أفعل , تريد أن تعلم جواريك , هو لك مني كلما أردته , ثم قالت : والله إني ما تعلمته إلا من شعرك حيث تقول :
أطيب الطيب عرف أم أبان *** فأر مسك بعنبر مسحوق
قيل : لما بنى عمر بن عبد العزيز بفاطمة بنت عبد الملك أسرج في مسارجه تلك الليلة بالغالية . وقال الشعبي : الرائحة الطيبة تزيد في العقل . وقال علي كرم الله وجهه : تشمموا النرجس ولو في العام مرة فإن في قلب الانسان حالة لا يزيلها إلا النرجس . وكان الصحابة رضي الله عنهم يستحبون إذا قاموا من الليل أن يتطيبوا . وكان من أختلف في طرقات المدينة وجد عرفا طيبا . قيل : ولذلك سميت طيبة , وأقول : والله ما طابت إلا بالطيب الطاهر صلى الله عليه وسلم وأحسن ما قيل :
إذا لم أطب في طيبة عند طيب *** به طيبة طابت فأين أطيب
وقيل : وإن فأرة المسك دويبة شبيهة بالخشف(ولد الظبي) تصاد لسرتها فإذا صادها الصياد عصب السرة بعصابة شديدة فيجتمع فيها دمها ثم يذبحها . ثم يأخذ السرة فيدفنها في الشعير حتى يستحيل الدم المتجمع فيها مسكاً ذكياً بعد أن كان لا يرام نتناً . وقد يوجد جرذان سود يقال لها فأرات المسك ليس عندها إلا رائحة لازمة لها . وحكي أن العنبر يأتي على طفاوة الماء لا يدري أحد معدنه فلا يأكله شيئ إلا مات . ولا ينقره طائر إلا بقي منقاره فيه , ولا يقع عليه حيوان إلا تصلت أظفاره فيه , والتجار والعطارون ربما وجدوا أظفارا فيه . وقال الزمخشري عفا الله عنه : سمعت ناساً من أهل مكة يقولون : هو من زبد بحر سرنديب , وأجود العنبر الأشهب , ثم الأزرق وأدونه الاسود . وفي حديث أبن عباس رضي الله عنهما : ليس في العنبر زكاة إنما هو شيء نثره البحر . وأما العود فأجوده المندلي , وهو منسوب الى مندل قرية من قرى الهند , وأجوده أصلبه , وامتحان رطبه أن تطبع فيه نقش الخاتم فإن انطبع فرطب إلا فلا , ومن خصائصه أن رائحته تطب في الثوب أسبوعا فلا يقمل ما دامت فيه . وأما الكافور فهو ماء شجر بجزيرة الكافور . يحزونه بالحديد فإذا خرج ظاهراً وضربه الهواء انعقد كالصموغ الجامدة على الأشجار . وأما الند فمصنوع وهو العود المستقطر والعنبر واللبان .
لو كنت أحمل جمرا حين زرتكم *** لم ينكر الكلب أني صاحب الدار
لكن أتيت وريح المسك يقدمني *** والعنبرُ الند مشبوب على النار
وقال الحسن بن سهل : أمهات الرياحين تقوى بأمهات الطيب , فالنرجس يقوى بالورد , والورد يقوى بالمسك , والبنفسج يقوى بالعنبر , والريحان يقوى بالكافور , والنسرين يقوى بالعود . وقال جالينوس : المسك يقوي القلب , والعنبر يقوي الدماغ , والكافور يقوي الرئة , والعود يقوي المعدة , والغالية تحل الزكام , والصندل يحل الأورام . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تردوا الطيب فإنه طيب الريح خفيف المحمل .
تبخر بعض الأمراء وعنده أعرابي ففرطت من الأمير ريح خفيفة فأراد أن يعلم هل فطن بها الاعرابي ام لا , فقال ما أطيب هذا المثلث , قال الأعرابي نعم ولكنك ربعتها .
والله اعلم بالصواب وصلى الله على نبينا محمد