كانت المرأة الجازانيه عبر التاريخ قامة لاتتكسر ولاتنحني شموخ وعزة
وصبر على مكدرات الحياة تقف مع ابيها واخيها وزوجها في مجابهة
مصاعب الحياة وتسعى معهم لكسب لقمة العيش جنبا إلى جنب.
كانت بالإظافة الى تربية الأبناء عملها كربه تقوم برعى الغنم وتجهيز الزاد
وتجلب الماء وعلف الدواب وترمي بذور الزرع بعد الحرث وتساعد بحصده
وتقوم بطحن الحب فهي تتفوق بذلا للجهد على الرجل بل تتعداه بمراحل.
واما المرأة الحارثيه فقد كانت تجمع كل ذلك وتتحمل واجباً تتفرد به من بينهن
وهو مساعدة الرجل في الحراثة فتقوم بتجهيز زاده وترحل به إليه
لمكان حراثته كل يوم تنتصف شمسه سماء بلادها. (وقت الظهر)
ولا تغيب عن هذا إلا بعارض يحدها عنه.
ومن اولئك النساء مريم (بنت الحرث)...قصتنا اليوم
التي كان حق لها ان تكتب الأيام حكايتها وتتناقلها الألسن إعترافاً
بحكمة إمرأة خلد لها التاريخ قصه تحاكي حكمتها.
كانت مريم كما اسلفنا كمثيلاتها تقوم بتجهيز الزاد وربطه بإحكام
لتصل به لزوجها الحراث الذي غادرها صباحاً إلى حراثة ارضه
وينتظرها بمنتصف النهار لتأتي وقد ادركه التعب والجوع
فتضع زاده امامه ثم تذهب لإكمال ما تستطيع من الحراثه حتى ينتهي
فتتركه عائدة لبيتها تنتظر عودته مع غروب الشمس.
وذات يوم جهزت مريم الزاد وربطته وسارت كما هي العادة حتى نزلت
بالوادي الذي إعتادت ان تقطعه بصمت وإنصات لصوت
خرير الماء وزقزقة العصافير ونعيق الضفادع وكأن سمعها يتلقف تلك
الاصوات التي ألفتها منذ سنين لينقطع ذلك الصوت بصعودها الجانب الآخر
من الوادي. .لكنها في تلك المرة سمعت على غير العادة صوت رجل ينادي!!
ياإمرأه توقفي!!.توقفي!! فتوقفت بمنتصف الوادي وإلتفتت لمصدر
الصوت وإذا بهما شابان يافعان يسيران إتجاهها فلما رأتهما
واصلت سيرها وكأنها لم تسمع شىء!!
فناداها احدهما ان توقفي ولا تخافي فتوقفت قليلاً حتى إقترببا فلم تعرفهما
فسألت: ما بالكما؟ فقال احدهما وهو يبتسم: نريد ما معك!!
فقالت إن اردتما طعاماً فخذاه
فقال الآخر: وهو يقترب منها انت جميله !! نريدك انت!!
فلما احست بالسوء قالت لهما : إذهبا عني فوالله صيحة واحده
سيسمعها زوجي خلف هذاالتل الصغير فيقع مالا تحسبان
حسابه. فتضاحك احدهما لا احد سيمنعني عنك وإقترب منها
وأمسك يدها اليسرى وجذبها فدفعته وأخذت حجراً
فسارع الآخر من الجهة الأخرى ليمسكها بكلتي يديه
فبادرته قبل ان يفعل برمي الحجر إلى رأسه وأخذت حجراً آخر لتضرب به الآخر !!
وإذا بالرجل يستلقي ارضاً على ظهره ودمه ينزف من رأسه فعاجل صاحبه
لحمله إلى ظل شجرة قريبه وهو يقول لها: قتلته يا مجنونه!!
فلما رأت مريم ذلك هرعت مسرعة لبيتها ولم تكمل طريقها
لتصل لزوجها الذي كان اقرب مسافة لها من البيت.
وعندما احس زوج مريم بتأخرها عليه أخذ دابته وسلك طريق
العودة إلى البيت فلما نزل الوادي لمح الرجل المصاب تحت الشجره
وسمع صوت الآخرعلى مقربة منه يهتف أن ساعدني فهب لنجدته
سائلاً: مابال الرجل؟؟
فرد صاحبه بأنه سقط من اعلى التل!! فقال هل بيوتكم قريبة من هنا؟
فرد عليه : لا نحن من جبال بعيده.
فحمل زوج مريم المصاب وواصل طريقه إلى البيت قائلاً لصاحبه :
اتبعني إذاً سنضمد جرح صاحبك بالبيت عندي..
vvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvvv
إمرأة من الحرث..2
ولما حمل زوج مريم المصاب على دابته تبعه صاحب المصاب وهو لايدري
بأنه زوج مريم التي إعتدى هو وصاحبه عليها فقد كان همه إسعاف صاحبه
وعندما وصلوا إلى البيت نادى زوج مريم عليها بأن تجهز الماء الساخن
وقطع من القماش والصبار( العلاج القديم الحديث) فظهرت مريم من حجرتها
وقالت له: حالاً... فلما لمحها صاحب المصاب عرفها فذهل ولم يتأنى ليفهم !!
بل إنسل إلى الوراء يجر خطواته حتى خرج من باب البيت وولى هاربا
مذعوراً حتى وصل لفبيلته فنادى فيهم مصيبة !! مصيبة!! مصيبة!!
فإستوقفه احدهم وقص عليه القصة فقال له إذهب للشيخ ثم أخبره بما حدث
ولا تكذبه شيئاً فالقول قوله .فذهب الرجل إلى الشيخ مسرعاً ووافاه الخبر
كما هو فسأله الشيخ( وكان حكيماً وذو دراية بأنساب القبائل ومعرفة الناس )
لم هربت وتركت صاحبك ؟ قال: عرفت أنها المرأة التي حاولنا الإعتداء عليها
وذلك زوجها وهو مسلح وهي لابد ستخبره ولن يتردد عن قتلي
بينما هو لن يؤذي صاحبي المصابَ ببيته والأفضل لي وله ان يصلكم الخبر
بأقصى سرعه.قال الشيخ : بئس ما فعلتما ووالله لو قتلك لما طالبناه بشىء...
صف لي الرجل؟ فوصفه له فقال الشيخ: عرفت الرجل هو إبن فلان ويسكن قرية كذا...
وهو من بني الحرث الكرماء الشجعان و لن يقبل لزوجه هذا
ولانقبل نحن مافعلتماه انت وصاحبك واول ما سا أفعل سا أاقضي بسجنك
ريثما اعود وأنظر في عقابكما معاً. وأمر بسجنه.
ثم أخذ عشرة من افراد قبيلته وتوجهوا وهم يحسبون لكل ردة فعل حسابها
حتى وصلوا بيت الرجل وعند بابه نادى الشيخ يافلان فخرج له شقيق لمريم
وقال له:تفضل إن فلان قد إستدعاه الشيخ قبل قليل وذهب فتوهم الشيخ
بأن الخبر قد عرفه الجميع وما زوج مريم عند الشيخ إلا لهذا
فقال الشيخ: ارني أين بيت شيخكم؟ نحن بني كذا وهذاعنكم إبننا
قد فعل فعلة هي منا غريبه.. فسمع صوت إمرأه كأنها تقاطعه من حجرة قريبة فتقول :
(الساكت قد كف مصيبه!!) فسمع الشيخ فتأنى وجلس وقال لشقيق مريم
متى سيعود فلان؟ فأجاب لن يتأخر وبعد لحظات سمع نفس الصوت مصاحبة له
ضحات طفلة كأن إمرأة تسليها بقربها فتقول: (والغادر قد شل نصيبه)!! شلَ أي نال...
وبعد لحظات أخرى سمع نفس الصوت يقول:
( والهارب يشل نصيبه) فتمعن الشيخ في سر هذه الكلمات
وتفهم مغزاها وإنتظر حتى عاد وج مريم وسلم عليه الشيخ وشكره
على علاج إبنهم ولما سأله زوج مريم عن الرجل الذي كان مع المصاب
قال له الشيخ: هو رجل عليه سجن ويخشى ان نأتي هنا
ونجده فنأمر برجوعه للسجن ففكر ان يهرب لكننا وجدناه في طريقنا
وأمرنا من يعود به ويدخله السجن وأخذ الشيخ ومن معه مصابهم وسلكوا الطريق
للعودة قالوا لشيخهم والله ياشيخ لم نفهم شىء مما حدث!!
قال الشيخ هل سمعتم صوت المرأة التي تلاعب طفلتها
قالوا سمعنا قال عندما قالت
الساكت قد كف مصيبه)
أي انها سكتت عن إخبار زوجها بما حدث لئلا تحدث فتنة بيننا وبينهم
ووالله إنني رايت بوادرها هذه الفتنه حين سمعت جواب الرجل
لي حين سألته أين صاحب البيت؟ فأجاب بأنه عند شيخهم.
وأما قولها (والغادر قد شل نصيبه) تعني صاحبكم هذا الذي نحمله
قد نال مايستحقه بفعلته بحجرها المصيب
وأما قولها( والهارب يشل نصيبه) فهي تريد ان من العدل أن يعاقب
صاحبه الذي كان كان معه من قبلنا ووالله إنني مادمت حياً
لن تطأ قدم احدهما هذه البلادعقوبة وإنتصاراً لإمرأة ما عرفا أنها إمرأة بألف
رجل ووالله لو ان لدي خمسة من الرجال بعقلها لملكت القبائل كلها . قلم /عبدالله الجوي