قال بعض اشياخ بني مرة : خرج منا رجل الى ناحية الشام والحجاز وما يلي تيماء والسراة(1) وأرض
نجد ؛ في طلب بغية له , فإذا هو بخيمة قد رفعت له وقد أصابه المطر ؛ فعدل إليها وتنحنح , فإذا
امرأة قد كلمته , فقالت : انزل , فنزل - وراحت إبلهم وغنمهم فإذا أمر عظيم - فقالت : سلوا
هذا الرجل من أين أقبل ؟ فقلت : من ناحية تهامة ونجد , فقالت : أدخل أيها الرجل . فدخلت إلى
ناحية من الخيمة , فأرخت بيني وبينها ستراً , ثم قالت لي : يا عبد الله ؛ أي بلاد نجد وطئت ؟ فقلت
كلها ؛ قالت فبمن نزلت هناك ؟ قلت : ببني عامر , فتنفست الصعداء , ثم قالت : فبأي بني عمار
نزلت ؟ فقلت ببني الحريش , فاستعبرت (2) ثم قالت : فهل سمعت بذكر فتى منهم يقال له : قيس بن
الملوح يهيم في تلك الفيافي (3) ويكون مع الوحش لا يعقل ولا يفهم إلا أن تذكر له امرأة يقال لها
ليلى , فيبكي وينشد أشعاراً قالها فيها
فرفعت الستر بيني وبينها , فإذا فلقة قمر لم تر عيني مثلها ؛ فبكت حتى ظننت - والله - أن قلبها قد
انصدع , فقلت : أيتها المرأة ؛ اتقي الله فما قلت بأساً . فمكثت طويلاً على تلك الحال من البكاء
والنحيب , ثم قالت
ألا ليت شعري , والخطوب كثيرة
متى رحل قيس مستقِلّ فراجِعُ
بنفسي من لا يستقل برحله
ومن هو إن لم يحفظ الله ضائِعُ
ثم بكت حتى سقطت مغشياً عليها , فقلت لها : من أنت يا أمة الله ؟ وما قصتك ؟ قالت : أنا ليلى
صاحبته المشؤومة - والله عليه , غيرُ المؤنسة له , فما رأيت مثل حزنها ووجدها عليه قط
توضيح (1 ) : السراة : الجبال والارض الحاجزة بين تهامة ونجد
توضيح (2) : فاستعبرت : جرت عبرتها وحزنت
توضيح (3) : الفيافي : الصحاري
توضيح (4) : استقل القوم : ذهبوا وارتحلوا