(جازان) ذلك الجزء الغالي.. من وطننا الأغلى..! ذلك الجزء الجنوبي (القصي) جغرافياً.. لا وجدانياً أو أدبياً أو حضورياً؟!
(جازان) ذلك العمق الذي لا يحسن أن يغامر بالكتابة حوله إلا من تيقن من اكتمال أدواته قبل أدبياته..! من هنا أود أن أشير إلى أن هذه الكلمات الخجلى ما هي إلا انطباعات شخصية ارتأى صاحبكم كاتب هذه السطور أن يدونها لذاكرته ومذكراته.. دون أن يقصد الإشادة أو الشهادة.. فالمنارات لا يلزمها الضوء القادم من الشموع..؟!
في الأسبوع المنصرم.. حملني غرض شخصي للذهاب إلى جازان كنت قد قمت بالتنسيق لإتمامه مسبقاً مع أخي وصديقي ابن جازان البار الدكتور حسن حجاب الحازمي عميد كلية المعلمين بجازان والأديب والقاص المعروف. فور وصولنا مطار جازان (شقيقي وأحد الأصدقاء وأنا) حملنا أحد أبناء جازان إلى الفندق فما كان منه عندما علم أننا ضيوف على جازان إلا أنه أصر على استضافتنا في بيته وبمزيد عناء تمكنا من الاعتذار شريطة أن نقوم بزيارته في وقت لاحق (لم نف بالوعد لضيق الوقت بالطبع) في المساء بعد أن تنزهنا على كورنيش جازان الجديد وبعض الأسواق الشعبية المليئة بالعديد من ملامح تراث عريق عاشته جازان وخلده الجازانيون.. هاتفنا د. حسن فجاءنا في مقر إقامتنا بأريحيته ومهابته معاً وكرم خلقه قبل استقباله أيضاً. أخذني بعدها في نزهة سريعة إلى عدد من المواقع كان أولها وأهمها نادي جازان الأدبي ذلك التحفة/ الشاهد.. في أرض الأدب والأدباء (جازان) وفي خارطة مملكتنا ككل.!.
في صبيحة اليوم التالي قابلانا ابن جازان البار (د. حسن) والعلامة الواعدة في الجانب الديني د. زيد مهارش أستاذ التفسير بكلية المعلمين بجازان واتجهنا في نزهة وقضاء حاجة خارج جازان مررنا خلالها بصبيا وأبوعريش فضمد.. التقينا خلالها بالشيخ الفاضل مطاعن شيبة أخي العلامة والقاضي محمد شيبة ذلك الشيخ الذي تقصده الأعلام قبل العوام.
قبيل صلاة العصر كنا في منزل د. حسن.. وكان في استقبالنا شيخنا الأديب حجاب الحازمي رئيس نادي جازان الأدبي وصاحب الإسهامات الواضحة في جل المنجز الأدبي الجازاني. ومعه عدد من الأسماء من بينها د. محمد حبيبي عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين بجازان والشاعر المعروف بلطفه ودماثة خلقه.. بعد وليمة الغداء التي أعدها د. حسن واشتملت على عدد من الأكلات الشعبية ذات الارتباط الوثيق بالمائدة الجازانية.. اتحفنا الشيخ حجاب بالحديث عن جازان ووفاء من عاشوا فيها ثم رحلوا عنها لكنها لم ترحل عنهم.. وهذا ليس بالغريب.. إذ إن من تمنحه جازان كرمها وبساطتها وأصالتها لن تفارق ذاكرته إلا إلى مذكراته..!!.
تحدث الشيخ حجاب أيضاً عن أدبي جازان بعد أن سألته بصحافيتي عن نشاطه ومقره المشرق. فأجابني عن آلية إقامة الأنشطة طوال العام وفي فصل الصيف. كما أشار إلى الفن والثراء الأدبي في جازان الذي يتطلب بذل الجهد والوقت في سبيل احتوائه وتنميته وكيف أن جازان وصلت إلى حد الاكتفاء الذاتي من الأدباء في مختلف الأنساق والأجناس الأدبية بل وصلت إلى درجة التصدير وإغراق المشهد المحلي بشكل عام وربما العربي..!.
أما عن أدبي جازان ومقره المميز بحق.. فحدثنا عن حكاية بنائه وتمويله وكيف كانت إدارة النادي تستقطع جزءاً من مخصصاتها وتدَّخره لإنشاء المعلم الذي أعد مخططه أحد المهندسين المعماريين من أبناء جازان!.
(الثقافية) كانت حاضرة في حديث الشيخ حجاب والحضور إشادة وإشارة إلى عدد من الملاحظات.. وكان لدكتور حبيبي حديث مهم حولها وتحديداً فيما يتعلق بالعدد المئوي (أتمنى أن حضور الثقافية كان لها وليس لحضور محررها).
استأنفنا بعد هذا اللقاء العاطر تجولنا ونزهتنا وتثقيفنا.. مررنا بعدد من الأودية التي خلدها شعراء جازان (القدامى والمحدثين). عدنا إلى مقر إقامتنا بعد أن انقضت ساعات ذلك اليوم سريعاً على عادتها في الأوقات الهانئة..!
في صبيحة اليوم التالي أخذنا الشاعر أيمن عبدالحق العضو الفاعل والنشط بأدبي جازان في زيارة ميدانية إلى نادي جازان الأدبي، ورأيت ما يبهر العين ويثلج الصدر بحق في تصميمه وتجهيزاته (كم أتمنى أن تقوم إحدى قنواتنا التلفزيونية بإعداد تقرير مصور وكامل عن أدبي جازان).. قضينا الوقت المتبقي في جازان متنقلين ما بين جبال وسهول وشواطئ ومسطحات زراعية.. إلى أن حزمنا أمتعتنا وغادرنا جازان يعتصرنا ألم الرحيل وينزف بداخلنا صدق الشعور ويهتف بقلوبنا أمل العودة..!!
غادرنا جازان تلك المنطقة القادمة من عمق التراث والأصالة والإبداع إلى فضاءات النماء والتطور والازدهار.. فكل ما في جازان يوحي بقادم اقتصادي وإنمائي مذهل يضاف إلى رصيدها التراثي والأدبي الزاخر..!