جازان في عيون الرحالة
بقلم: أحمد بن عمر الزيلعي
لقد كان لوصول كثير من الرحالة إلى الجزيرة العربية وتدوينهم مشاهداتهم وجولاتهم التي تناولت أوجه الحياة المختلفة أثره الكبير في إعطاء معلومات هامة عن الجزيرة العربية.
ويلاحظ أن كثيراً من المعلومات التي دونها الرحالة تنقصها الدقة والأمانة العلمية ويحكمها الهوى بالإضافة إلى جهلهم بهذه البلاد ومعتقداتها وحياتها الاجتماعية، مما جعلهم يدونون كثيراً من المعلومات عن مشاهداتهم لسلوكيات وتصرفات أبناء الجزيرة العربية دون محاولة معرفة دوافع هذه التصرفات (1).
وكان المخلاف السليماني (منطقة جازان) من مناطق الجزيرة العربية التي زارها بعض الرحالة والجغرافيون ودونوا عنها مشاهداتهم وهي بلا شك معلومات مهمة بحاجة إلى الدراسة على ضوء المصادر التاريخية المتاحة.
والعدد القليل الذي زار المخلاف السليماني (منطقة جازان) من الرحالة الذين يمكن الإفادة مما دونوه من معلومات وهي على جانب كبير من الأهمية ومن هؤلاء الرحالة:
1- دي فارتيما (Lodovico Di Varthema ) أو الحاج يونس المصري:
رحالة إيطالي، من أقدم الرحالة الأوربيين إلى جزيرة العرب، قام برحلته هذه إلى كل من مصر، والشام، والجزيرة العربية، فارس، والهند، وأثيوبيا في الفترة من 1503- 1509م(908-915هـ) وطبعت باللغة الإيطالية في سنة 1510م(916هـ)، ثم ترجمت إلى اللغة الإنجليزية، وطبعت في نيويورك سنة 1862م، ونقلها إلى العربية عبد الرحمن عبد الله الشيخ بعنوان: رحلات فارتيما: وطبعت في القاهرة عام 1994م/1414هـ.
وهي رحلة طويلة في مسارها، ولكنها موجزة في معلوماتها بما فيها تلك التي ذكرها عن مدينة جازان الساحلية التي لم يزر سواها من أجزاء المنطقة، فقد أظهر دي فارتيما هذه المدينة التي مكث فيها ثلاثة أيام للتزود بالمؤن اللازمة، على نحو رائع حينما يصفها بأنها ميناء جميل على ساحل البحر الأحمر، وأنه وجد به خمساً وأربعين سفينة من بلاد مختلفة، والمدينة على حد قوله: تمثل منطقة مثمرة جداً ذات منظر خلاب.. يوجد بها عنب، وخوخ، وسفرجل، ورمان، وثوم له رائحة نفاذة جداً، وبصل طيب، وجوز، وبطيخ، وورود، وأزهار، وتين، ويقطين، وأترج، وليمون، وبرتقال حامض، ولكل هذا فهي فردوس" يضاف إلى ذلك ما ذكره فيها من وفرة في اللحوم والغلال، والشعير والذرة البيضاء التي يصنع منها – على حد قوله – "خبز جيد".
وعلى الرغم من هذا الوصف الرائع والرخاء الواضح في مدينة جازان فإن دي فارتيما لم يفصل في وصف مينائها، وأسواقها، ومعالمها العمرانية التي كانت عليها في ذلك الوقت.
2- موريس تاميزيه :
رحالة فرنسي رافق الحملة العسكرية التي أرسلها محمد علي باشا، حاكم مصر، على عسير في سنة 1249هـ/ 1839م، بوصفه كاتباً في هذه الحملة، وقد ساعده ذكاؤه، وإتقانه للغة العربية، وثقافته الواسعة على تدوين ملاحظاته عن الحجاز وعسير، ومن ثم نشرها باللغة الفرنسية سنة 1840م (1256هـ) في مجلدين أحدهما عن الحجاز والثاني عن عسير، وهذا المجلد الأخير هو الذي يهمنا، لكونه يتضمن فصلاً عن أبي عريش بوصفها عاصمة المنطقة في ذلك الوقت، وهذا المجلد ترجمه إلى اللغة العربية الدكتور محمد بن عبد الله آل زلفة، ونشره في الرياض عام 1414هـ/ 1993م.
يتحدث تاميزيه في كتابه هذا بإسهاب عن منطقة أبي عريش في (منطقة جازان) مبيناً موقعها، وجغرافيتها، وامتدادها من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، كما يتحدث عن الناس، وعن ألبستهم، ومعاشهم، ومساكنهم وأسواق المنطقة، ونشاطها الزراعي والتجاري، واختص مدينة أبي عريش بوصف شامل تناول فيه أسوارها وعمرانها وقلعتها المسماة دار النصر التي وصفها بأنها عالية جداً، وذات منظر جذاب، ولها فناء واسع في الوسط كما وصف حامياتها، وأسواقها، وبضائعها، ومزارعها وبيوتها، وآبارها، ومختلف منشآتها المعمارية، ومعالمها الحضارية مما لا يستغني عنه أي دارس لأثار المنطقة في الوقت الحاضر خاصة وأن بعض تلك المنشآت قد دثر، وما بقى منها في حالة غير جيدة تقريباً .
3- أمين الريحاني :
رحالة أمريكي من أصل عربي لبناني زار منطقة جازان في سنة 1340هـ، 1922م في عهد الإمام محمد بن على الإدريسي، وهي حينذاك مملكة تشتمل على أجزاء واسعة من شمال اليمن. أفرد الريحاني لهذه المنطقة فصلاً في كتابه الضخم
ملوك العرب) وهذا الفصل من أهم وأمتع ما كتب عن الإمام الإدريسي وعلاقته بالملك حسين في الحجاز والإمام يحيى في اليمن، والإمام عبد العزيز بن سعود في نجد وعسير، وكذلك علاقة الإدريسي مع القوى الخارجية، ولا سيما الإنجليز. ويتضمن الكتاب كذلك معلومات مفيدة عن وصف المنطقة، وعن أحوالها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعمرانية.
4- سانت جون فيلبي:
رحالة إنجليزي كان من أشد المعجبين بالملك عبد العزيز، ومن أكثر الرحالة عشقاً لجزيرة العرب، والارتحال فيها. أقام بالمملكة العربية السعودية حتى وفاة الملك عبد العزيز، ثم انتقل منها إلى بيروت، وفيها توفي عام 1380هـ، 1960م.
نال فيلبي دعماً كبيراً من الملك عبد العزيز للقيام برحلاته التي غطت مختلف مناطق المملكة العربية السعودية، وظهرت نتائجها في مجلدات ضخمة أبرزها كتابه المعنون : Arabian Highlands (المرتفعات العربية الذي طبع في عام 1952م -1373هـ) وهذا الكتاب هو الذي يعنينا، لأن مؤلفه أفرد منطقة جازان بجزء كبير منه. ومن أبرز ما تحدث عنه فيلبي ووثقه في المنطقة نقاط الحدود أو العلامات الحدودية الفاصلة بين المملكة واليمن والتي شملتها معاهدة الطائف الموقعة بين الجانبين في عام 1353هـ/ 1934م، ومنها جزء كبير في منطقة جازان .
بعد ذلك وصف فيلبي المنطقة وصفاً دقيقاً مبتدئاً إياها من المناطق الحدودية حتى دخوله إلى محافظة القنفدة التابعة لإمارة مكة المكرمة. وكما هو معروف عن دقة فيلبي في الوصف، واستقصائه لكل ما تقع عليه عينه من عمران، وزراعة، وصناعة، ونبات، وطيور ، ولباس، وعادات، وخلافها...، ولعل مما يسترعي الانتباه، ويجدر ذكره بالنسبة للمهمتين بالآثار احتفاظ كتاب فيلبي بلوحة رائعة لمسجد الأشراف الجامع بمدينة أبي عريش التاريخية، وهو في حالة جيدة بقبابه الضخمة المتعددة، ومنارتة الجميلة ذات الشكل المربع، وعقوده الرائعة في تصميمها وبنائها .
5- ولفرد ثسيجر :
رحالة إنجليزي يوصف بأنه آخر عظماء الرحالة البريطانيين في البلاد العربية عمل في بعثة مكافحة الجراد، وتسنى له الارتحال إلى أنحاء واسعة من المملكة العربية السعودية، ومنها رحلته هذه التي قام بها إلى جنوب غرب المملكة في عام 1945م (1364هـ) والعام الذي يليه، ونشرها في مجلة الجمعية الجغرافية الملكية بلندن عام 1947م ( 1366هـ) وترجمها الدكتور أحمد بن عمر الزيلعي إلى اللغة العربية: "بعنوان رحلة في تهامة وعسير وجبال الحجاز" ونشرها في مجلة الدارة عام 1408هـ/ 1988م.
استطاع ثسيجر خلال رحلته هذه أن يجوب معظم منطقة جازان، سهلها وجبالها وأن يصل إلى أمكنة ما سبقه إليها أحد من الأوربيين، ومنها جبال فيفا والريث، وأن يصل إلى أكثر الأمكنة عزلة وانقطاعاً وأن يقدم للقراء وصفاً دقيقاً لمجتمعات المنطقة ولأوضاعهم المعيشية وطبيعة أسواقهم والسلع التي تباع في تلك الأسواق ، ونظم الزراعة والرعي والمحاصيل الزراعية، والحركة التجارية، والطرز المعمارية، ووصف البيئة النباتية، والحيوانية والطبيعية بما في ذلك أسماء الأمكنة، والجبال والأودية التي وصفها أيضاً وحدد أماكنها بدقة، كل ذلك مدعم بصور رائعة ونادرة حقاً .
(1) محمد عبد الهادي الشيباني، أهداف الرحالة الغربيين في الجزيرة العربية، بحث مقدم إلى ندوة الرحلات إلى شبه الجزيرة العربية التي عقدت في دارة الملك عبد العزيز في الرياض، ص5.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
منقوووول لعيونكم